أنت تستمتع براديو مدينة البط

أنت تستمتع براديو مدينة البط

الخميس، نوفمبر 8

حتى على الدُخّان !


أزمة دخول الحمام
"شمس الفخاخري", "كريم" وأنا, في زنزانة مظلمة متر في متر ونصف, (متكلبشين خلفي) طوال الوقت, والكلابش الخلفي لمن لم يجربه يمنعك من القيام بأقل الأفعال الإنسانية بيديك, ان تاكل أو حتى تفتح سوستة البنطلون (علشان تعمل زي الناس).

2 أبريل 2009 اعتقلونا 9 شباب وبنتين, بالإضافة لسارة وأمنية اللتان اعتُقِلوا قبلها بيومان. اعتقلونا في كفر الشيخ كمحاولة منهم لإجهاض دعوتنا لإضراب عام ثاني في 6 ابريل 2009.

"شمس" كان أكترنا خبرة بالمعتقلات, بالنسبالي كانت المرة الثانية, بالنسبة لشمس كان (مرة من المرات), بعد أذان المغرب كان اليوم قد مر بلا أكل أو شرب أو حتى دخول الحمام, كلابش خلفي إلى مالانهاية, نفتح سوستة البنطلون لبعضنا البعض و(نعمل حمام) في شق غائر في الحيط, لم نقلق بتسرب الماء (البول) لأرضية الزنزانة, ففي كل الأحوال الزنزانة لا تكفي ثلاثتنا إلا وقوفا.

في السجن عرفت أن الدخان يصلح (للشعلقه) عليه والخروج من بين الـ(قضبان على شباك) حيث النور والحرية.

وغنى ليا "شمس" بصوته المبحوح من الهتاف :
زنزانتى لو أضيق
انا من ورا السجان
فى العتمة بتشعلق
حتى على الدخان
وأغنى بدموعى لضحكة الاوطان




ولا تفهم المساجين ..
خرجنا من السجن, ونسيت الكثير من تفاصيله, ولم أحتفظ إلا بذكرى الأغنية الحزينة بصوت "شمس" المبحوح, بحثت على الإنترنت بما تذكرته من كلماتها, وجدتها باسم (محبوس يا طير الحق) ! وكانت صدمة, فأنا أعرف تلك الإغنية جيدا, كان نسياني لها ناتج من قوة احساسي بها في السجن ربما. (محبوس يا طير الحق) كنا قد نشرناها في كل مكان عام 2008, في المدونات والمنتديات وعلى الفيسبوك, بعد أن صدرت أحكام عسكرية ضد "خيرت الشاطر" وزملاءه في حملة تضامنيه معهم وقف فيها الشيوعي قبل الاخواني يهتف بحريتهم وباسقاط مبارك.

أحَب الإخوان أغنية (محبوس يا طير الحق) والتي ظهرت لأول مرة في مسلسل "النديم" بصوت "علي الحجار" ليغنيها "عمّار الشريعي" فيما بعد في فيلم (البرئ) بصوته مع الكورال دون موسيقى.

هي الأغنية النموذجية بالنسبة لهم, تجسد الأغنية مشاعر الضحية المحبوس المؤمن بالحق, كما تخلو من آلات غنائية, فقط ضربات "عمار الشريعي" على جدران الأستوديو الخشبية يعطي الأغنية بعض البُعد الإيقاعي.

يقول الأبنودي بصوت عمار الشريعي:
محبوس ياطير الحق
قفصك حزين ولعين
قضبانه لا بتنطق
ولا تفهم المساجين

جسد احمد زكي ببراعة بطولة فيلم البرئ, وشاركه محمود عبد العزيز في البطولة في دور الضابط السادي (توفيق شركس) الذي يعذب المعتقلين بلا رحمة, والطيب والرقيق خارج اسوار السجن!. وفكرة ازدواجية شخصية ضباط التعذيب خصوصا كتب عنها فيما بعد علاء الأسواني في مقاله (حوار مع ضابط امن دولة) والتي للصدفة البحتة كتبها يوم 7 ابريل 2009 تعليقا على حادثة اعتقالنا بالأعلى! لكن علاء الأسواني عندما طرح تلك الفكرة لم يكن أول أديب تناولها, ففي عام 1978 وعلى خشبة المسرح القومي (التي احترقت فيما بعد) قام عزت العلايلي وفرقته بتمثيل مسرحية حملت اسم (دماء على ملابس السهرة) تناول فيها نفس الفكرة, ازدواجية ضابط التعذيب. وفي الحقيقة انها كانت مترجمة عن مسرحية (القصة المزدوجة للدكتور بالمي) والتي ابدعها الكاتب الأسباني العبقري أنطونيو بويرو باييخو.

يحب الإخوان أغنية أخرى في فيلم البرئ, أغنية (قبضتي) تقريبا لنفس الأسباب الخاصة بعدم وجود آلات موسيقية, لكن يظل التفضيل دائما لـ(محبوس يا طير لحق) ربما لما في (قبضتي) من تحفز وثورية في مقابل إحساس الضحية الذي تشبعه (محبوس يا طير الحق).




يا حاكمنا من عابدين !
وإذا لم تكن قد سمعت من قبل أغنية (قبضتي) فذلك لأنها تقع في نهاية الفيلم التي كانت تُحذف في كل مرة يُعرض فيها الفيلم بأمر من النظام بسبب مشهد قتل (أحمد سبع الليل) للضباط, وفي ابريل 2005 عُرض الفيلم كاملا بأغنية النهاية خلال مهرجان السينما القومي تكريماً للفنان الراحل أحمد زكي.

تقول (قبضتي) في مقطعها الأخير:
يا قلوب بتنزف دم في العتمة
يا قلوب بتنزف دم و تغني
سجنوا و بيسجنوا الكلمة
و الكلمة غصب عنها و عني
طلعت من القضبان و من الأسوار

أخرج الفيلم عاطف الطيب, وكتب قصته وحيد حامد من وحي اعتقاله خلال أحداث 17و18 يناير 1977, والتي خرجت فيها جماهير الشعب المصري ثائرة على قرارات الحكومة برفع الأسعار كشرط من البنك الدولي لضخ قروض لمصر (تمهيدا لتطبيق سياسات صنوق النقد الدولي والبنك الدولي)!. رافعة هتافها الشهير:
(يا حاكمنا من عابدين
باسم الحق و باسم الدين
فين الحق و فين الدين؟!)

وبعد 35 عام تدور الحكاية, ويحاول خيرت الشاطر نفسه أن يمرر الآن من خلال حكومة هشام قنديل قرضا جديدا للبنك الدولي ويمهد له بتصريحات عن رفع الدعم, ويلجأ مرسي لإعلان نيته في اقتراض 200 مليون دولار من البنك الدولي, في الوقت الذي اقترضت مصر فيه 630 مليون دولار في العام الماضي بعد الثورة!

... فين الحق .. وفين الدين؟!


د.أحمد الغيطي


أربع مشانق وبراءة


الفيلم الأول: A Short Film About Killing

بعد خمسة أعوام من عرض الفيلم البولندي قامت الحكومة البولندية بإلغاء عقوبة الإعدام نهائيا. فبعد أن قام "جاسيك" بطل الفيلم بقتل سائق تاكسي بوحشية وقسوة وبدون أي سبب أو دافع تقضي المحكمة بإعدامه شنقا. قوة الفيلم تكمن في الغموض الذي أحاط به المخرج دوافع المتهم, فهيئة المحكمة لم تهتم إلا بأدلة الإدانة دون أن تبدي أي اهتمام حقيقي لدوافع المتهم التي ظلت طوال الفيلم مبهمة, كما فشل المحامي المتخرج حديثا في العثور على أية أدلة تحسّن موقف المتهم "جاسيك", أو حتى تبرر فعلته بدوافع ما, ركّز الفيلم على تعامُل هيئة المحكمة مع "جاسيك" على انه مجرد حالة جنائية ومع الحكم على انه مجرد إجراء قانوني يجب ان يتم.

اللامبالاة التي تعامل بها بطل الفيلم مع العالم يبررها المخرج بأثر رجعي في تعامل المجتمع (هيئة المحكمة) مع "جاسيك", فكأن المجرم الضحية كان يعلم أنه مجرد نَص أبكم في قانون العقوبات, لا يعي "جاسيك" عقوبة فعلته قبل أن يقوم بجريمة, بل حتى أنه لم يعرف سائق التاكسي الضحية إلا قبل قتله بخمس قائق على الأكثر, فقد كان القاتل يصر على القتل ويترصد له لكن ليس تجاه شخص بعينه, ربما تجاه المجتمع ككل.
"جاسيك" كان ينتقم من المجتمع بعد موت أخته الصغيرة التي أحبها كثيرا, كان يكرهه لأنه يفتقد فيه الشئ الوحيد الذي احبه, كانت نشوة "جاسيك" المفضلة هي الوقوف أعلى احد كباري المشاة متفرجا على السيارات التي تعبر أسفل الكوبري, ثم يلقى بلامبالاة باردة حجرا كبيرا يسقط على زجاج سيارة مسرعة, لتعلوا أصوات التصادمات والفرامل وتنتعش معها ابتسامة جاسيك.

بطل الفيلم "جاسيك" المجرم بالنسبة للمخرج هو نفسه المجتمع اللامبالي المريض المؤذي. جاسيك الذي يجد سعادته في معاقبة المجتمع على موت أخته بكل برود, هو نفسه المجتمع الذي ينتقم من جاسيك بكل برود عندما قرر إعدامه شنقا, فقط لمجرد الإنتقام منه, وليس القصاص أو الردع. ففي تلك الغرفة القاتمة التي ليس فيها إلا رجال البوليس يتم إعدام "جاسيك", ولم تعلم حتى أوراق الأشجار خارج المبنى البارد أن أحدا بالداخل قد تدلى من المشنقة.

الإعدام بالنسبة لكيسلوفسكي مخرج الفيلم ليس أبدا وسيلة ردع, فوسيلة الردع التي تفتقد للعلانية ليست سوى انتقام, أيضا وسيلة الردع العلنية هي سادية علنية. يضع المخرج عقوبة الإعدام في ورطة منطقية, ويشير إليها بنفس اصابع الإدانة التي أشارت بها هيئة المحكمة إلى "جاسيك".
ثم يؤاخي المخرج في عبقرية فريدة بين ملابسات القتل وملابسات الإعدام. فجريمة القتل التي تفتقد لوجود ظروف القتل من استفزاز أو ثأر شخصي رغم توافر عنصر العمد, هي نفسها عقوبة الإعدام التي تأمر بها هيئة المحكمة والتي لا تتوافر بها ظروف الاستفزاز أو الثأر الشخصي رغم توافر عنصر العمد أيضا!

وينهي كيسلوفسكي الفيلم بتدلي "جاسيك" من على المشنقة, "جاسيك" الذي يمثل المجتمع اللامبالي كله الذي قام هو الآخر بجريمة قتل بدم بارد, سمتها كتب القوانين "عقوبة الإعدام"





الفيلم الثاني: Lion of the Desert

"حكمنا عليك بالإعدام شنقا أمام الناس, في بلدة سلوق الحادية عشر ظهر الغد"
هكذا قال رئيس المحكمة بصوت حاسم, ليتم تنفيذ الحكم, ويخرج طفل صغير من بين الناس ليلتقط نظارة "أنتوني كوين" (عمر المختار), في إشارة أرداها المخرج الشهيد "مصطفى العقاد", بأن الإعدام شنقا أمام الناس لا يردع, سواء كان المشنوق مجرما أم مجاهدا.

لم يخَف "عمر المختار" أبدا من الموت, سواء في أثناء الغارات التي شنها على الطليان أو حينما التف حبل المشنقة حول رقبته بلا غطاء للرأس أو عصابة على العين. ومشهد "عمر المختار" مبتسما وحول رقبته حبل المشنقة يذكرنا بمشهد آخر شديد القرب منا زمنيا, حينما تدلى "عبد المالك ريكي" زعيم جماعة جند الله على حبل المشنقة مبتسما ومحييا كل الحضور خلال قيام السلطات الإيرانية باعدامه شنقا أيضا أمام الناس 20 يونيو 2010.

الجريمة التي ارتكبها "عمر المختار أو "عبد المالك ريكي" لا تعد جريمة في أماكن اخرى من العالم, وإيطاليا التي اعتبرت عمر المختار مجرما اعتبرته منذ عام واحد بطلا, و"عبد المالك ريكي" الذي اعدمه النظام الإيراني الفاسد لم يكن ليموت لو وُلد في أي بلد مجاور لإيران. فالجريمة التي تستوجب الإعدام في مكان لا تستوجبه في مكان آخر.
إعدام "عمر المختار" في فيلم أسد الصحراء لم يكن سوى قرار سياسي من النظام الإيطالي, وبالطبع أي شخص سَوِي سيرفض الإعدام السياسي أيا كانت دوافعه وفي أي مكان كان, إلا أن الإعدام الجنائي لا يختلف كثيرا عن السياسي, فما هو جنائي في إيران هو سياسي في مصر, والجريمة الجنائية في سوريا ليست سوى خلاف سياسي في فرنسا.

"عمر المختار" قاتل بالمعنى "المجرد" للكلمة, إلا أن الدوافع هي التي تمييز القاتل مجرما أو مناضلا, والحكم على الدوافع يختلف من مكان لآخر, تماما كحكم الإعدام. ودوافع عمر المختار لم تقنع ايطاليا رغم أنها أقنعت كل الإنسانية, كما ان دوافع ذلك القاتل الفقير لن تقنع القاضي رغم أنها تقنع أيضا كل الإنسانية. بالطبع الدافع ليس مبررا لجريمة فردية, ولكن عدم قبول القضاء به أيضا ليس مبررا لجريمة قتل رسمية.





الفيلم الثالث: Dead Man Walking

تعاطفت الراهبة "هيلين" مع "ماثيو", و"ماثيو" قاتل ومغتصب وفقير, يعلم جيدا أن القتل جريمة فتكون آخر كلماته قبل الإعدام " القتل شىء خاطىء".
رغم فقر "ماثيو" إلا أن المخرج أراد أن يجعله متسما بوعي حاد, فلم تكن آخر كلمات "ماثيو" تلك هي أجمل ما قاله في الفيلم, فهو ذو وعي طبقي أيضا, يجعله يدرك جيدا أن الدولة تمكنت من اعدامه لأنه فقير, لأنه لم يوكل محاميا غنيا, بل حتى لأنه ولد في ظروف ماديه ونفسيه وتعليمية لم تحترم انسانيته, واستغلته كمجرد حجر رحايا, فيرد على جدال الراهبة له خلال محاولاتها لإقناعه أن إعدامه ربما يطهره قائلا: "وحدهم الفقراء يُحكم عليهم بالإعدام".
يشير "تيم روبنز" مخرج الفيلم بأصابع اتهام خفية للمجتمع, المجتمع الذي ولد فيه "ماثيو" فقيرا فسهل عليه أن يكون قاتلا, وفي الحقيقة أن عقوبة الإعدام التي تلقاها "ماثيو" لن تمنع من خرج للعالم في نفس ظروفه أن يرتكب جرما مماثلا, فقسوة العقوبة لا تحد من نسبة الجريمة, بل في الواقع وخارج نطاق الفيلم أن المجتمعات التي ألغت عقوبة الإعدام لم تزد فيها نسبة الجريمة, والمجتمعات التي لازالت تمارسها لم تقل فيها نسبة الجريمة.
"ماثيو" هو العجينة التي شكلها المجتمع على هواه, بالتأكيد لا ينفي هذا إرادته ومسؤوليته عن الجريمة, لكنه على الأقل لديه شريك حثه حثا بيدٍ خفيه على العنف. وإعدام "ماثيو" كجزاء على جريمة كان يستوجب إعدام المجتمع كله, الذي وقف طوال الوقت في وجه ذلك الفقير وفي وجه تعليمه أو معيشته.
المجتمع المريض بمرض الطبقية والاستغلال لا يصلح أن يحكم على أي مجرم بعقوبة مطلقة مثل الإعدام, قد يحكم بالسجن أو بالنفي, فهي عقوبات ليست مطلقة ويمكن في اي وقت أو بعد أي (ثورة) التراجع عنها. لكن أن يقوم مجتمع به عيوب جوهرية باصدار حكم مطلق كالإعدام على جريمة شارك فيها بطريقة أو بأخرى فتلك هي اللامنطقية بعينها.

في الحقيقة أن الجملة التي قالها ماثيو قبل إعدامه كان لها تكملة, فقد قال أمام من حضر إعدامه: "القتل شئ خاطئ, بغض النظر عمن يفعله سواء كنت أنا أم أنتم أمِ الحكومة".





الفيلم الرابع: The Life of David Gale

ركضت "كيت وينسلت" التي تقوم بدور الصحفية "بلوم" كثيرا في ذلك الفيلم, فقد جاءت نهاية الفيلم استكمالا لركضة "بلوم" في مشهد البداية, حيث كان معها دليل على براءة المتهم "ديفيد" والذي كان حينها في غرفة الغاز يتلقى عقوبة إعدامه.
وصلت الصحفية متأخرا, بالضبط كما أراد الاستاذ الجامعي "ديفيد جيل", ليدفع هو ورفيقته "كونستانس" ثمنا غاليا اختياريا لمناهضتهم عقوبة الإعدام. فالرفيقان عضوان في أحد حركات مناهضة الإعدام في أمريكا, ورغم كل ما بذلوه من نضال لإلغاء العقوبة لم يمكنهم من إقناع حاكم الولاية أو المواطنين بمدى توافر احتمال ان يخطئ القضاء في إعدام رجل برئ. فقرروا أن يقدموا بأنفسهم ذلك البرئ طواعية لآلة الإعدام القاتلة, قربانا من أجل الهدف الذي ناضلوا من اجله.

عندما وصلت الصحفية بدليل البراءة كان "ديفيد" قد مات, ولأن الإعدام عقوبة لا يمكن التراجع عنها بعد تنفيذها لم تستطيع المحكمة اصلاح ذلك الخطأ. فعقوبة لا يمكن التراجع عنها تحتاج بالتأكيد لمحكمة لا تخطئ. وقد أخطأت المحكمة حين قررت أن "ديفيد" قتل "كونستانس" واغتصبها, فقد انتحرت "كونستانس" بالاتفاق مع "ديفيد" ليصنعوا ملابسات تجعلها جريمة قتل وليس انتحارا, فيتم القبض على "ديفيد" وإعدامه. وعن طريقة ترك خيط ما للصحفية المخلصة, تكشف به براءة "ديفيد", لكن بعد فوات الاوان.

"آلان باركر" مخرج الفيلم يشير بقوة لقاعدة أن أي هيئة قضائية ليست معصومة من الخطأ كي تتمكن من إصدار حكم لا يمكن التراجع عنه كالإعدام. والدليل الأكبر على ذلك من عالمنا أن محكمة جنايات القاهرة التي اصدرت 200 حكما بالإعدام خلال عام 2009 هي نفسها التي قضت ببراءة المتهمين بموقعة الجمل. فالهيئة التي تمنح البراءة بالخطأ من الممكن أيضا أن تحكم بالإعدام بالخطأ.

دوما المجرم الفقير يتم إعدامه, والمجرم الغني يحصل على براءة رغم كونه لم يقتل فردا أو اثنين بل قام بجريمة توازي جريمة الإبادة, إلا أن وقاية المجتمعات من مجرمي الإبادة والفاسدين السياسيين لا تكون بقتلهم, ووجود هؤلاء المجرمين ليس مبررا لتشريع لن ينتهي بإعدامهم. فإعدام صدام حسين لم يمنع جرائم القذافي في حق شعبه. وإعدام القذافي لم يمنع مبارك أو بشَّار. وقاية المجتمعات من مجرمي الإبادة لا تكون بقتلهم ولا تبرر تشريع عقوبة الإعدام, لكن تطوير الآلية السياسية بين النظام والمواطنين هي التي تقي المجتمع.

بعدما كشف المخرج "ألان باركر" عن الفيلم عام 2003, كان له أكبر الأثر في إلغاء عقوبة الإعدام في العديد من الولايات الأمريكية. ليس تعاطفا مع الجريمة أو المجرم فهو في النهاية قد ارتكب خطأ فادحا, لكن أهم الأسباب في إلغاءها دوما هو دور المجتمع في تكوين المجرم بالإضافة لعدم معصومية المحكمة عن الخطأ الوارد بشدة طوال الوقت, فخصوصية عقوبة الإعدام تكمن في كونها لا يمكن أبدا التراجع عنها. ومما يذكر أن 72% من دول العالم قد قامت بإلغاء عقوبة الإعدام مستبدلة أياها بالسجن مدى الحياة او السجن المؤبد المشدد. ولم يعد الإعدام مستمرا سوى في الدول الإسلامية والصين وبعض الولايات الامريكية المعدودة.


د.أحمد الغيطي

الخميس، نوفمبر 1

تهافت التهافت* (رداً على بيان الاخوان المسلمين)



خرجت علينا جماعة الاخوان المسلمين أمس 31 أكتوبر ببيان هام حول الشريعة الإسلامية وهوية الأمة, استهلت مطلعه بحصر سعادة الإنسان في إقامة تعاليم الإسلام وفقاً لرؤيتهم الخاصة وأيديولوجيتهم الاقصائية, وقررت في فقرته الثانية أن الشريعة الإسلامية أهم مكونات الشخصية المصرية متجاهلة سائر المكونات التاريخية والمؤثرات الثقافية الأخرى, وفي فقرته الثالثة حاولت تعريف مفهوم الشريعة الاسلامية ببعض العبارات المطاطة حول علاقة مثلث الفرد والمجتمع والحكم, في الوقت الذي كان فيه أحد وزرائها الأجلاء يغلق سماعة الهاتف في وجه وسيلة إعلام مرئية !
وبعد تلك المقدمة الطويلة للبيان يدخل تدريجيا في صلب الموضوع, فجماعة الاخوان المسلمين ترى أن المجتمع يجب أن تتم "تهيئته" لاستقبال فيوضات الشريعة الاسلامية وهي نسبية باختلاف الفقهاء في رؤاهم, رغم أنها في فقرة تالية تترك للمجتمع الحرية في اختيار ما يحب أيا كان! في ربط ساذج بين النسبي والمطلق .
يستطرد البيان بعد ذلك في الدفاع عن الهدف المقدس لجماعة الإخوان المسلمين, ألا وهو حرمان الشواذ من أي ممارسات غير مشروعة!
نعم, للأسف بعد هذه المقدمة الطويلة العصماء عن أثر الشريعة الإسلامية في تحقيق الخير لبني الإنسان, وبدلاً من أن يكون الهدف التطبيقي لتلك الشريعة في منظورهم هو القضاء على الإستغلال, أو تقليص المساحة الشاسعة للفقر, أو السيطرة على المعدلات المرتفعة للجريمة بخفض الاحتياج المادي, أو دعم الأسر المحرومة من أدنى وسائل العيش, أو أو أو ..
بدلاً من كل ذلك تعتبر جماعة الاخوان المسلمين أن المواثيق الدولية تحاول تقنين الشذوذ أو العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج الشرعي, في الوقت الذي لا تعتبر الجماعة مواثيق دولية أخرى مثل كامب ديفيد تخالف مبادئ الشريعة الإسلامية السمحة!


هوية الجياع

يقول محمد الجواهري:
نامي جياعَ الشَّعْبِ نامي حَرَسَتْكِ آلِهة الطَّعامِ
نامي على تلك العِظَاتِ الغُرِّ من ذاك الإمامِ
يُوصِيكِ أن لا تطعمي من مالِ رَبِّكِ في حُطَامِ
يُوصِيكِ أنْ تَدَعي المباهِجَ واللذائذَ لِلئامِ
وتُعَوِّضِي عن كلِّ ذلكَ بالسجودِ وبالقيامِ
لقد عميت جماعة الإخوان المسلمين (بدءاً بمرشدها وانتهاءً بأصغر اعضاءها مرورا برئيس الجمهورية) عن إدارك حقيقة الهوية المصرية الحقيقية, وما تواجهه من طمس تحت وطأة الجوع والفقر والحاجة, و انهيار الصناعة وتشرذم الزراعة وفشل ذريع حتى في أن تصبح مصر محطة تجارية.
ورغم أن الإخوان المسلمين هم أدرى الناس بفقه الأولويات, إلا أن مهمة إطعام ملايين الفقراء وتسكينهم وكساءهم لا توجد إلا على الجدول الانتخابي للجماعة, أما في الدستور, فالأولى هو النص السحري الذي سيضمن للجماعة البقاء الأبدي على صدر الشعب. سواء بالمجموعة التجارية لرجل الأعمال خيرت الشاطر أو بالمجموعة السياسية بقيادة الكتاتني.
في الحقيقة أفتقد بشدة تلك الحماسة الإخوانية عندما تُطرح مواضع حقيقية ذات ثقل حقيقي في شق السلام الاجتماعي الذي تحدّث عنه البيان, أفتقد حماستهم تلك في أي نص دستوري يشرط على السلطة التنفيذية عدم التوقيع على اتفاقيات خارجية تضر بالاقتصاد أو الكرامة المصرية, بل ومراجعة الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها مسبقا. كما أفتقد حماسة البيان العظيمة عندما تطرح قضايا الحريات أو قضايا المرأة أو قضايا الأقليات الدينية واللادينية في مصر.
ولم يطرح الاخوان أبداً أي نص دستوري يحمي الصناعة في مصر, أو أي نص دستوري يحمي المواطن من ظلم توزيع الثورة ناهيك عن ظلم العملية الإنتاجية نفسها.



الحزب "ولّا" الجماعة

الإخوان المسلمون يقومون بلعبة خطيرة يدغدغون بها الجماعات السلفية في رسالة مطمئنة لهم, فذلك البيان لم يخرج عن حزب الحرية والعدالة (الجناح السياسي للجماعة) كي لا يؤخذ عليه انحيازه الديني. في الوقت الذي يحتاجون فيه لرسالة طمأنه لعموم الجماعات السلفية وبسطاء الشعب المتدين بطبعه. فيلعبون بورقة ده مرسي "ولّا" المرشد, ده الحزب "ولّا" الجماعة .. لأ ده الحزب .. لأ ده الجماعة !
تدرك الأصابع المرتعشة التي كتبت هذا البيان أن الورقة الوحيدة التي تبقت في قبعة الساحر المحتال هي ورقة العاطفة الدينية. فلا كلام عن الفقر أو الحريات سيرفع أسهم الجماعة والحزب التي تتهاوى في كل يوم يمر يتضح فيه فشلهم في سدة الحكم.
يدرك الإخوان جيدا مدى وعي الشعب بفضيحة فشل مرسي في تحقيق وعود ال100 يوم, كما يدركون جيداً عدم قدرتهم على السيطرة على أي أزمة اقتصادية تضرب البلاد, وأن كل حلولهم تنحصر في كلمة واحدة .. "قرض خارجي".



اللي مالوش عدو يشتريله عدو

يختتم الإخوان المسلمين البيان بشكوى مُرّة من "الحملة الغير منصفه" التي " تستهدف الهوية الإسلامية لمصر، وتحاول إيقاف العمل للانتهاء من الدستور الذي سيحقق الاستقرار وقيام المؤسسات في البلاد؛ ما سيترتب عليه إعاقة عملية التحول الديمقراطي وعملية التنمية", في أسلوب رخيص, تلقي فيه باللوم على هؤلاء "الكفره العلمانيين" في كل التأخير والتقصير الحاصل في عملية التنمية. فهم الذين يعوقون "الاستقرار" ويعرقلون "التنمية" ويوقفون "التحول الديموقراطي".
ثم يزايدون على هؤلاء الذين "يعترضون لمجرد الإعتراض" وينصحونهم بتغليب المصلحة العليا للوطن "ذو الهوية الاسلامية".
ويبدو أن الإخوان المسلمين لا يشاهدون تلفازا او يدخلون للانترنت, فيكفيهم بضغطة زر واحدة أن يجدوا آلاف الصفحات من المقترحات الجادة والحقيقية لدستور يضمن للمواطن حريته وسبل عيشه وكرامته. بداية من مشاريع الدساتير التي قدمتها أحزاب كالدستور والتحالف الشعبي الاشتراكي, وليس انتهاء بالمحاولات الجماعية والفردية لأساتذة قانون وعلم اجتماع, إلا أن الاخوان لا يشغل بالهم سوى الحفاظ على الكرسي, والطريق الوحيد لذلك هو دغدغة مشاعر الانتماء الديني عند بسطاء المسلمين, ومداعبة الحس الراديكالي لدى الجماعات السلفية, بادعاء محاربة عدو وهمي أطلقت عليه اسم "الحملة الغير منصفة".
في الحقيقة اتعجب بشدة أن وجدت جماعة الإخوان المسلمين وقتا لكتابة بيان عن يدافع عن الهوية الإسلامية لمصر, كنت أظنهم مشغولين بكتابة خطابات الحب والإعزاز لبيريز, بالإضافة للوقت الذي يجدونه في حملة هدم انفاق غزة القائمة على قدم وساق!

___________________________________________________________
*العنوان مقتبس من عنوان كتاب ابن رشد "تهافت التهافت" ردا على كتاب الغزّالي "تهافت الفلاسفة"
د. أحمد الغيطي

ويسألونك عن الازدراء



لحظة ميلادك لا تعرف أين ولدت, لا تعلم من هي أمك ولا حتى اسمك أنت, لا تدري بشرتك سمراء أم بيضاء, تتحدث الصينية أم العربية, صبي أم فتاة, حتى انك لا تدري هل أنت مسلم أم مسيحي أم بهائي أم حتى ملحد.

وعدم معرفتك يأتي من كون كل تلك المواصفات هي إضافات من المجتمع حولك, لو ولدت في افريقيا أبيض البشرة فأنت غريب, ولو ولدت أسمر البشرة في أمريكا بالتأكيد ستعاني من بقايا عنصرية في المجتمع. وربما لو ولدت في الصين ستصبح أحد البوذيين, رغم أنك نفسك لو ولدت في القاهرة ربما تكون أحد قيادات الجماعة السلفية.

للأسف الشديد, أنت لم تشارك المجتمع في اختيار اسمك او لغتك او حتى دينك.


الإنسان الزومبي

اعتادت كل المجتمعات المغلقة أن تنسخ اسطواناتها المشروخة في عقل كل مولود جديد يأتي للنور إلا من رحم ربي, فقط هؤلاء الذين يتمتعون باستطاعتهم تربية عقولهم على النقد أيا كان دينهم او عقيدتهم.

ربما لو كان المجتمع متعصبا ستصبح أنت أحد أدواته في التعصب, ولو كان منحلا ستكون أنت نفسك أحد مظاهر انحلاله, حتى لو كان المجتمع يكره الدجاج المشوي ستشعر أنت بمنتهى التقزز لمجرد فكرة تذوقه!

تدريجيا ستجد نفسك قد أصبحت أحد هؤلاء الذين تحدثت عنهم الاسطورة الافريقية, الفرد الذي سلبته الآلهة روحه وإرادته وحولته لفرد "زومبي", يتحرك بلا عقل لكن باخلاص رهيب لتنفيذ ما تمليه عليه الآلهة(المجتمع). ربما يقتل أو يهدم أو يحرق (وبمنتهى الاخلاص), هو لايفهم لماذا, فقط هو متعصب لفكرة ما دون أدنى التفكير. وكما يبرر السرد الأسطوري وجود ذلك "الزومبي" كعقاب له على جريمة اقترفها عندما كان بشرا, فإن معنى الاسطورة يستطرد ليتحول الإنسان لـ"زومبي" بمجرد ارتكابه جريمة اللاتفكير.


12 رجل غاضب

وتدريجيا عندما يجدك المجتمع قد أصبحت في القالب المطلوب, سيضمك لتنظيم الـ12 رجل غاضب, وهو الفيلم الذي تحدث عن 12 رجل عضوا في هيئة محلفين مطالبة بإصدار حكم على شاب متهم بقتل أبيه, وانسياقا وراء عاطفتهم المتعجلة في استهجان تلك الجريمة قرروا جميعا أن ذلك المتهم مذنب, باستثناء رجل واحد, رغم أنه لم يكن يمتلك أي أدلة على براءة الشاب إلا انه وبالبحث المنطقي استطاع ان يقنع كل أفراد هيئة المحلفين ببراءة ذلك الشاب, رغم أنهم كادوا أن يتحولوا جميعا لقتلة بدعوى الحفاظ على ماسموه "السلام الاجتماعي".
لو كنت تعتقد أن المثال مباشر أو حاد قليلا ببساطة أطالبك بفتح اليوتيوب ومشاهدة الفيديو الذي سجل تجمهر عشرات من "الرجال الغاضبين" أمام منزل ألبير صابر لمجرد أنه قد نشر الفيديو المسئ, وهو الفعل الذي قام به نصف الموجودين على موقع الفيسبوك!
ال "12رجل غاضب" موجودين في كل مكان, متوغلين في كل المجتمع, على رأس السلطة وفي المناطق الشعبية, أحدهم ربما قاضي وأخر نائب عن الأمة وآخرين موظفين في أجهزة الدولة والإعلام, ولكن أغلبهم من رجال الدين (أي دين), تسيطر عليهم جميعا فكرة واحدة فقط, الجهل. وبها يسيطرون على بقية المجتمع.


التعصب دين الدولة ..

في كل مناسبة دينية أو وطنية تنهال علينا الصحف بصور لرجال الدين الاسلامي والمسيحي وهم يقبلون ويباركون بعضهم البعض, في ابتذال فج لمفهوم كلمة التسامح الديني, ففي الوقت الذي يقّبل فيه شيخ الأزهر البابا نجده هو نفسه يشهر أسلحته ضد ما سماه المد الشيعي, أوحتى ضد المتصوفة, رغم أن تعداد هؤلاء وهؤلاء لا يقل بأية حال عن تعداد المسيحيين أنفسهم. فقط هي سياسة الدولة التي تتحكم في أي المناطق ينبغي إعلان التسامح وفي أيها ينبغي دق طبول الحرب. مضطهدين عمدا كل الطوائف الأخرى من الشعب.

السلام الاجتماعي (الذي اراده أيضا الـ12 رجل غاضب) لن يتحقق بمجرد صور فجة مبتذلة, وإلا لدافعت الصور عن عشرات المسيحيين الذين قتلوا وهجّروا, او البهائيين الذين حُرّقت منازلهم, أو حتى المتصوفة الذين تهدم أضرحتهم باستمرار. السلام الاجتماعي الحقيقي لن يتحقق إلا بعدما يدرك كل مواطنوا الدولة أن الخلاف والنقد لا يرادف التعصب والاعتداء, وذلك لن يتحقق أبدا إلا لو أُجبرت الدولة على سحب يدها العابثة بحرية الاعتقاد والنقد.


أنا مزدري ..

والحد الفاصل بين مصطلح النقد والازدراء هو حد وهمي, فلو أرادت السلطة اطلاق لفظ مزدري على أحد كبار المفكرين فإنها وبوجود أرض خصبة من الجهل ستفلح في ذلك, الحل الحقيقي ليس في تقنين النقد او اصدار قوانين تحرم الازدراء, فعندما سافر الشيخ أحمد ديدات إلى استراليا ليلقى محاضرة تنتقد الدين المسيحي في يوم يوافق أحد أهم الاعياد الدينية عندهم لم تمنعه الحكومة رغم الانتقادات الشديدة التي وجهها له رجال الدين المسيحي آنذاك, لم تعتبره الدولة مزدري أو مستخف بدينهم وعيدهم, الحل الحقيقي لمواجه النقد هو النقد المضاد أو النقاش الموضوعي أو حتى المناظرة.

تدّخل الدولة في تنظيم النقد الديني يفسد جوهر صدق الإيمان من الأساس ويحول قضية النقد إلى مشروع خصب للدعاية السياسية المضللة. أما الوقوف بجانب اطلاق حرية الابداع والنقد ومناهضة تدخل الدولة في تنظيم الشأن الفكري أو الديني هو الباب الأوسع لتطوير نظرة الانسان لنفسه بلا تعصب مسبق أو كره غير مبرر.

التعدي الحقيقي على الأديان ليس نقدها وإنما هدم أهم اركان التدين الحقيقي .. ألا وهو حرية الاعتقاد به, فالدول التي تفرض على شعوبها شكلا من أشكال التدين تنفي بذلك صدق إيمان كل مواطنيها, وتحول الدين لضريبة مفروضة على المواطنين غصبا. والأمثلة التاريخية على ذلك أكثر من أن تسرد.
الإزدراء بمفهومه المتداول وكما ينطبق عل الفيديو المسئ ينطبق أيضا على مئات الخطب التي يلقيها أئمة المساجد في آذان المصلين كل اسبوع. مهاجمين علنا وبكل صراحة كل الأديان السماوية الأخرى بما فيها الدين المسيحي, ولو كان لدى المجتمع والدولة القليل من الإنصاف لمُنِعَ هؤلاء من اعتلاء المنابر, لكن الحل الحقيقي ليس بالمنع وإنما بإطلاق حرية التعبير والاعتقاد والنقد بلا أي مشروطية نصية أو دستورية.


.. هذا انت الكافر

أي منا يؤمن بصحة رأي ما بالتأكيد يرى كل من يؤمنون بغيره "كفار", ولسنا هنا بصدد تغيير ذلك المفهوم بل الأهم هو تغيير التحرك الفردي والاجتماعي المترتب عليه. وإلا أصبحنا جميعا مثل كفار مكة, نحارب أي عقيدة جديدة تنشأ حتى لو كان غرضها إحداث تطور أخلاقي وسياسي في المجتمع.

فـ"تكفير الآخر" لا يعني بالضرورة قتله حيث وجد وتأطيير حريته في الاعتقاد والنقد والتفكير, وبهذا المعنى يصبح التكفير مدخلا للحرية لا بابا للقمع والاضطهاد الذي يخلق تطرفا مضادا يصبح هونفسه أكبر تهديد لـ"السلام الاجتماعي".

على مر التاريخ اعتبرت المجتمعات مرتفعة الجهل كل من يخرج عن السياق العام لدين الأغلبية منبوذ وينبغي استتابته بل وحتى عقابه بعقوبات وصلت تاريخيا للقتل والإعدام علنا, المجتمع الذي يضيق مواطنوه عن استيعاب التحول الديني لأحد افراده أو استيعاب النقد النصي أو الابداعي لمعتقدات الأغلبية هو مجتمع يفشل بالضرورة في الحفاظ على الحد الأدنى من الحرية الانسانية, و يدلل بقوة على ضعف إيمان أفراده, الذين يعوضون ذلك الضعف بالتعصب المستمر تجاه الآخر.

الحق في حرية التحول الديني والإلحاد يشبه تماما الحق في تغيير الأسم أو عنوان المنزل, فكما قلنا سلفا أن الدين موروث وليس اختيار, فتغييره بالتالي لا يبرر كل ذلك الاستنفار الاجتماعي والرسمي ضده.

التعصب الديني المسيس يتغير طبقا لأهواء السلطة, فكما دافعنا قبل الثورة عن حق المرأة التي طُردت من عملها بسبب حجابها, وعن الرجل الذي اضطهد من السلطة آنذاك بسبب اطلاقه لحيته, يجب أن ندافع الآن عن حق البهائيين في ممارسة شعائرهم, وعن حق المتصوفة في تأمين أضرحتهم, كذلك حق الملحدين في ممارسة النقد العلني لما يرفضوه من سياسيات الدولة وممارسات المجتمع.


د. أحمد الغيطي

سبعة حوارات يومية مع ملحد !


(حوار يومي1)
- انت مؤمن بربنا؟؟
* وانت مالك؟؟؟
- يبقى انت ملحد؟؟
* وانت مالك برده؟؟؟
- مادام قولت "وانت مالك" يبقى انت ملحد ..
(!!!)

(حوار يومي2)
- انت زمان كنت بتصلي وكويس .. ليه بقيت كده ؟؟
* كده ازاي يعني ؟؟
- بتفكر يعني فحاجات ماينفعش تفكر فيها
* وهو التفكير حرام ؟؟
- لأ بس فيه حاجات حرام نفكر فيها لأنها ثوابت
* وهي الثوابت بتيجي منين غير بالتفكير
- اتقي الله واحمد ربنا انك اتولدت مسلم
* يعني الثوابت ثوابت لأني اتولدت عليها ؟؟؟
- لأ بس انت ربنا اختارك علشان تبقى مسلم .. ماتضيعش النعمة دي
(!!!)

(حوار يومي3)
- انت لازم تقرا قرآن زي زمان علشان ربنا يهديك
* أنا بقرأ قرآن أكتر من الاول وبحاول أفهمه أكتر
- لأا اقراه بقلبك مش علشان تحاول تفهمه
* بس أنا عاوز أفهمه
- مش لازم .. المهم تطلب من ربنا يهديك
(!!!)

(حوار يومي4)
* انت ليه بتقول ان الاسلام متخلف .. انت ناسي الرازي وابن سينا ؟؟
- لأ .. بس الرازي وابن سينا كانوا ملاحدة
* حرام عليك ماتقولش كده .. حرام تكفر حد
-أنا مش بكفرهم .. بس فقهاء السلطة أيامهم همه اللي كفروهم
* ماتشتمش الفقهاء يا كافر
(!!!)

(حوار يومي5)
* حرام على فكرة تزدري الاسلام
- أنا مش بازدريه أنا باتكلم عن الحاجات الغلط اللي فيه
* لا انت لازم تحترم ان فيه ناس مؤمنه بالكلام ده
- طب مالشيوخ بيزدروا المسيحية فكل حتة وفكل الجوامع
* لأ مش بيزدروها .. دول بيتكلموا عن الحاجات الغلط اللي فيها
(!!!)


(حوار يومي6)
* انت ازاي كافر بربنا؟! .. مش بتحتاجه لما تحس انك متضايق ؟؟
- علشان كده بقول احتياج الانسان خلاه يعمل الدين بعقله (الحاجة ام الاختراع)
* لأ ربنا هو اللي عملنا الدين لأنه عارف اننا هانحتاجه مش عقلنا اللي عمله
- طب ليه مش عملنا بقية الحاجات اللي كنا محتاجينها ؟؟
* امال ايه فايدة العقل
(!!!)


(حوار يومي7)
* لو انت بتدعي إن ربنا مش موجود يبقى الكون ده جه منين ؟؟
- اكتشاف جسيم هيجز أثبت ان الانفجار الكبير هو بداية الكون
* طب ايه قبل الانفجار الكبير؟؟!!
- معرفش لسه العلم ماكتشفش
* شوفت بقى .. يبقى ربنا كان قبل الانفجار الكبير .. وهو اللي عمله
- طب ايه قبل ربنا ؟؟!!
* حرام عليك ياكافر .. انت بتقول ايه اللي قبل ربنا
(!!!)


د. أحمد الغيطي

فيلم طويل عن القتل



طالما انت تقرأ مقالي الآن فبالتأكيد عندك جهاز كمبيوتر سواء كان ديسكتوب او لاب توب, وبالطبع عندك وصلة انترنت سواء كابل او مودم تدخل خلاله على الفيسبوك ومنه للمقال, وبالتالي فانت تنتمي للطبقة المتوسطة في المجتمع!

ربما لو شعرت في أي وقت بضعف نظرك ستتجه لعيادة طبيب عيون يقيس نظرك, و لو شعرت بألم في بطنك ستتناول مطهر معوي تذهب بعده لطبيب باطني يعطيك العلاج المناسب, لكن المؤكد مهما كان لن تذهب لمستشفى عام إلا لو كانت حالتك تخص الطوارئ (مضطرا).
عندما كنت في دولة الإمارات لم يكن مطروحا أن يذهب مريض لعيادة طبيب خاصة, أي مريض أيا كان مستواه المادي لا يتوجه إلا للمستشفى, وفي المستشفى كل التخصصات الطبية, بعدد كافي من العيادات وطاقة علاجية تستوعب عدد سكان المنطقة , ولو انت لم تذهب للإمارات فبالتأكيد شاهدت مسلسل ""House أو مسلسلER" " الأمريكيين, أو حتى مسلسل "لحظات حرجة" المصري, وممكن تستنج من خلالهم ان الطبيعي لأي مريض هو ذهابه للعلاج في المستشفى, لكن الغير طبيعي هو ذهابه لطبيب في عيادة خاصة.

الدول المتخلفة ( تعتبر مصر من أولهم لان نسبة الصحة في الميزانية 4%) فقط هي اللي ينمو فيها أخطبوط العيادات الخاصة, ويرجع ذلك لفشل الدولة في بناء مستشفيات عامة حقيقية تستوعب الطاقة المرضية لأهل القرية أو المدينة, ولاننا قمنا بثورة, فبالتأكيد كانت أهم مطالبنا رعاية صحية حقيقية لا يضطر فيها المواطن لدفع كشف يتجاوز المائة جنيه ليتعالج.

لا جدال في أن المنظومة الصحية الحكومية في مصر هي أكبر "اشتغالة" في الكون, الطبيب يمثل على المريض انه يعالجه (بيمثل لان مفيش امكانيات طبية حقيقية تساعده) والمريض يمثل تلقيه للعلاج (لانه ماعهوش فلوس يتعالج من غير تمثيل) وبالتالي فساد المنظومة الصحية يسمح لطبيب بلا ضمير استغلال المريض بارساله لعيادته الخاصة كي يتلقى الحد المناسب من الرعاية الحقيقية وفي الوقت نفسه يتلقى فيها الطبيب الحد المناسب من "لقمة العيش" (لانه هو كمان الوزراة بتمثل عليه انه بيقبض مرتب)!.

دائرة فارغة من التمثيل تشبه كثيرا مشهد اسماعيل ياسين في فيلم "دهب" وهو يأكل بشراهة من طبق فارغ.
تلك الدائرة المظلمة هي التي جعلت مجموعة شريفة من الاطباء (أغلبهم بالمعنى الأصح) يقررون القيام باضراب مفتوح جزئي للضغط على وزارة الصحة ورئاسة الوزراء من اجل زيادة ميزانية الصحة إلى 15%. رافعين شعار رعاية صحية محترمة يقدمها طبيب محترم لمريض محترم.
وفي الحقيقة أن أي شخص يمتلك بعض المعلومات عن الوضع الصحي في مصر سيعلم بالضرورة ان اضراب الاطباء لا يمثل أي ضرر حقيقي للمواطن العادي (فهو في الأصل لا يتلقى خدمة حقيقة). وأنا كطبيب عندي لكم مفاجاة .. إقامة منشأة طبية تقدم حد معقول من الرعاية الأساسية بل والخاصة تربح في ظل حد أقصى من ثمن كشف لا يتجاوز ال 15 جنيه وخصوصا في ظل معدل عالي من الحالات المرضية. وهذا بالضبط ماكان يعلمه الاخوان والسلفيين, فقاموا بإنشاء مستوصفات تُسمى خيرية ولكنها في الحقيقة تربح أرباحا معقولة وفي نفس الوقت تربط المواطن بوجوب رد ذلك المعروف والجميل لتلك التنظيمات عند أول انتخابات. فيصب ذلك في مصلحة تنظيمهم على المستويين المادي والسياسي. لنجد بعد ذلك لافتة ضخمة كُتب عليها (حزب الحرية والعدالة يعالج المواطنين بكشوفات رمزية!)

بالتدقيق في احوال المنظومة الطبية قليلا نجد انه فى حال قيام اصلاح حقيقي بمصر, لن تعمل عيادات الأطباء الخاصة, ومافيا المستوصفات الخيرية لن تجد من تضلله بلقب "الخيرية", وربما يتضح مدى تأثير ذلك لو شرحت لك كيف مرّ علي كطبيب مستوصفات خيرية خالية تماما من المرضى والسبب الرئيسي في ذلك هو وجود مستشفى تكامل محترم في هذه المنطقة, وربنا يقول لك مدير المستوصف (الله يرحم زمان كان المستوصف بيشغي حالات).
الاخوان سواء أطباء أو غير أطباء ضد أي اصلاح حقيقي للمنظومة الصحية في مصر, فهجوم الاخوان المسلمين على الأطباء المؤيدين للاضراب في الجمعية العمومية وصل من الشراسة واللامهنية إلى حد ضرب أحد الأطباء الاخوان لزميل له انتقد موقفهم وأيد الاضراب. ولن أصدع رأسك بعدد الاطباء المضربين الذين تم الاعتداء عليهم بالضرب أو الاهانة أو الكذب ولا بعدد الاطباء الاخوان الذين قاموا بمحاولات مستميتة لكسر الإضراب الذي أقره عموم الاطباء في جمعيتهم العمومية.

الاخوان ضد اي فعل حقيقي من الاطباء يعاكس مصالحهم في بقاء المنظومة الصحية على فسادها الحالي, وضد اي فعل من الاطباء يحرج مرسي احراجا حقيقي ويضعه امام أحد أكبر واجباته الأهم كرئيس منتخب .. ألا وهو اصلاح المنظومة الصحية.

في الحقيقة مرسي الذي رفع مرتبات الضباط وامناء الشرطة والخفراء 300% بما كلف ميزانية الدولة أمولا طائلة, يستطيع بجرة قلم أن يقتص القليل جدا من الأموال التي يدفعها لرشوة القيادات الفاسدة في مؤسسات الدولة لكي يتكتموا على فساد الاخوان المماثل (لم تتغير قيادة واحدة من قيادات الصف الأول في وزارة الصحة بعد الثورة), أو حتى تلك الأموال التي تتحملها ميزانية الدولة لتأمين صلواته من سيارات أمن مركزي وقنابل غاز مسيل يتعدى ثمن القنبلة الواحدة منهم مرتب طبيب تكليف!

في الحقيقة أي تقصير من النظام في حق الصحة لا يدفع ثمنه إلا المواطن نفسه, في الحقيقة أيضا أن أي دعايا انتخابية يقوم بها الحزب الحاكم قد سلبها مقدما بمافيا مستوصفاته من صحتك أنت ومن الرعاية الصحية التي من حقك أنت, في الحقيقة أيضا أن أي مماطلة من الرئيس والحكومة في قضية رفع ميزانية الصحة على حساب تأمين صلاة الرئيس هي خيانة حقيقية أبعد ما يكون عن كونها تقوى لله!

الاخوان لازالوا يقفون في وجه صحة المواطن وبالتالي حياته, وممارسات الاخوان تتعارض شرطيا مع اي اصلاح حقيقي يقي المواطن من المرض ويكفل له علاجا حقيقيا.

باختصار .. احذروا, فـ"الاخوان" ضارة جدا بالصحة .. وتسبب الوفاة.
د.أحمد الغيطي



الخيانة باللهجة السورية


(1)

"إلى جبهة النٌصرة وأشباهها: نحن اللي قلنا خاين اللي يقتل شعبه يكون مين كاين .. بستان القصر 5/10/2012"
استوقفتني كثيرا هذه الكلمات التي كتبتها على لافته بخط اليد سيدة شاركت في مظاهرات الثوار بمدينة حلب .. فوراء تعبير "خاين اللي يقتل شعبه" قصة لا بد أن تُحكى.

يوم 22 فبراير 2011 اعتصم مجموعة من المثقفين والنشطاء السوريين أمام السفارة الليبية بدمشق دعما منهم للثورة في ليبيا, وأطلقوا لأول مرة شعارهم الشهير "خاين اللي بيقتل شعبه", والذي صار هو و شعار" الشعب السوري ما بينذل" أهم شعارات الثورة السورية على الإطلاق.
وحدث أن اتفق هؤلاء المعتصمون على تدشين دعوات على الفيسبوك لـ«يوم غضب سوريٍّ» في أنحاء البلاد يوم الثلاثاء 15 مارس, والذي قوبل بعنف وقتل جعل هذا اليوم غُرّة أيام الثورة السورية.

وفي 31 مارس خرج بشار الأسد على الشعب بكلمة مهترئة عن اصلاحات سياسية ووعود وتذكير بموقف النظام السوري "الممانع" ضد اسرائيل في اتهام ضمني لكل من يهاجم النظام السوري بأنه (خاين) للقضية العربية والوطنية, في الوقت الذي فض الجيش السوري وشبيحة النظام بقوة الرصاص الحي كل التظاهرات التي خرجت تطالب بالخبز والحرية. مما جعل الشعب السوري ينتفض في وجه الطاغية رافعا شعار "خاين اللي يقتل شعبه" كتعبير ضميري يرد تهمة الخيانة لصدر بشار الأسد, واصما كل أصحاب إرادة الموت بالخيانة.


(2)

بعد تطور الاوضاع في سورية ولجوء الثوار السوريين للتسلح في مواجه جيش الأسد النظامي المسلح, دخل إلى الحدود السورية عشرات الأفراد من الجماعات الجهادية المسلحة في كل انحاء العالم. والتي استغلها نظام بشار الفاسد ليصم الثورة السورية بالارهاب واللا اخلاقيه.
وقامت جماعة اسلامية مسلحة أطلقت على نفسها لقب "جبهة نُصرة الإسلام" بعمليات انتحارية وتفجيرات استهدفت شوارع ومباني في قلب المدن السورية التابعة لسيطرة جيش الأسد دون أي محاولة لاستهداف بؤر نوعية أو استراتيجية في الجيش السوري, مما أدى لوقوع الكثير من المواطنين السوريين المدنيين قتلى نتيجة لهذه العمليات.
وكان ذلك حافزا قويا للجيش السوري الحر لكي يصدر بيان في 10 سبتمبر الماضي يتبرأ فيه من المقاتلين الأجانب ويطالبهم بالمغادرة فورا باعتبارهم مرتزقة تنطبق عليهم الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة التي أصدرتها الامم المتحدة عام 1989. بالإضافة للضغط المستمر للنشطاء الشبان مستخدمين شعار "خاين اللي بيقتل شعبه" لمواجهة وتصحيح مسار الجيش السوري واجباره على اعادة ترتيب أوراقه بما لا يخالف ضمير الثورة السورية.


(3)

شعار "خاين اللي بيقتل شعبه" الذي استخدمه الشعب السوري تارة في وجه بشار الأسد ال1ي يقتل الثوار وتارة أخرى في وجه الجماعات الاسلامية الجهادية التي تقف مع الثوار لكنها لا تفرق بين مواطن برئ وجندي مُعادي يستحق التوقف أمامه كثيرا.
فالشعب السوري يريد الحياة, يريد حياة كريمة بلا فقر أو جوع أو دماء. ومقاومة الشعب السوري ليست مقاومة هدم أو انتقام أو موت, وإنما مقاومة الراغب في الحياة.
الشعب السوري لا يعادي نظام بشار الأسد لمجرد "موضة الربيع العربي", ولا يعادي أيضا الجماعات الجهادية لمجرد "التبرء" من أسلمة الثورة السورية, الشعب السوري في شعاره الذي رفعه "خاين اللي يقتل شعبه" وضع لنفسه معيارا ضميريا شديد النقاء والأهمية, هو يعادي فقط من تصالح مع الموت ووقف في وجه إرادته في الحياة.


يحضرني هنا فزع كاتبة سورية قالت: "إنه حال خطير ينبغي أن نفكر فيه بجدية. هل تصالح السوريون مع الموت، اعتادوه وأصبح جزءاً من حياتهم اليومية. لا نستهجنه، لا نشمئز منه، ونسوّغه في بعض الأحيان، وكأن النظام السوري استطاع أن ينقل لنا جزءاً من عنفه الشرس الذي يطبقه منذ سنة ونصف على أرواحنا.. هل كل هذا ما جعل ابني يأتي إلى البيت يوماً وهو يحمل مجموعة من فوارغ الرصاص التي راح ورفاقه يلعبون بها بدل الدحاحل. أما الدحاحل الملونة المستديرة بلطف فقد أضحت طيّ النسيان!"

ليس لدي شك الآن في مدى تمسك السورييون بالحياة, ورفضهم للتصالح مع الموت أو اعتباره (عمل براجماتي) يخدم أهداف الثورة بغض النظر عن نوع الدماء التي تنزف, الثورة السورية هي ثورة ضمير بحق, والموت في سورية ليس إلا الشرنقة الجافة التي ستخرج منها الحياة, حياة شعب قاتل بضمير ونقاء من أجل الحرية والكرامة والعدل, فاستحقهم.

وكما كتب أحد الثوار على لافته أخرى, ولكن هذه المرة في مدينة بنش: 
"محكمة الثورة لا ولن تستثني أحدا, لا النظام ولا المعارضة, ولن نترككم تسرحون بأخطائكم."
الخيانة باللهجة السورية تعني خيانة إرادة الحياة, أو التحالف مع الموت, أيا كان زي هذا الموت.

د. أحمد الغيطي

عن مظاهرة الحلل وأشياء أخرى


(1)

منذ 400 عام عاش في انجلترا ثائر مغوار اسمه "جاس فاوكس", و" فاوكس" كان يكره الظلم الذي فرضه على الناس جيمس الأول ملك انجلترا وقتها, فقام بتنظيم مجموعة من الكاثوليك, وبنى سردابا طويلا تحت البرلمان الانجليزي, وحاول تفجيره عندما كان الملك بداخله في احد اجتماعاته, لكن الملك علم بمخطط فاوكس فقبض عليه ليتدلى فاوكس على حبل المشنقة في 31 يناير 1606.


اعجبت القصة السابقة كاتب انجليزي يدعى ألن مور, فكتبها في فيلم أخرجه جيمس مكتيغو في فيلم سماه (V for Vendetta) عام 2006, والذي أصبح قناعه في الفيلم رمزا لكثير من المجموعات الاناركية.


في 21 يناير 2012 شاهد أحد الأشخاص الفيلم, ويبدو ان هذا الشخص كان لديه مشكلة في نطق حرف الـ(v), رغم كونه صحفي!
فخرج علينا بتقرير بجريدة الحرية والعدالة عن الفيلم يحمل فيه "فاوكس" كل أخطاء المجلس العسكري ومؤامراته!



(2)

الكوميونة هو اللفظ الذي أطلقه عمال باريس الأناركيين على المجتمع الذي أقاموه وحلموا باستمراره بعد ثورتهم, وعندما يحلم العمال بمجتمع فمن المؤكد أنه ليس كأي مجتمع عاشت فيه البشرية من قبل, فبعد إعلان عمال باريس تأسيس كومينتهم في 28 مارس 1871 أصدروا مجموعة من القرارات التي خلدت ذكر هذه التجربة الاجتماعية الفريدة كأرقى تجربة بشرية في التاريخ, ليس من منظوري فقط ولكن ربما من منظور القرارات التي أصدرتها الكوميونة نفسها, فقد ألغت ما يسمى بالتجنيد الإجباري والجيش النظامي وجعلت القتال عمل تطوعي بحت, وألغت كل الضرائب المفروضة على السكان, كما أعلنت أن الحد الأقصى للأجور لا يتعدى 6000 فرنك (وهو بالضبط اجر العامل المتوسط حينها).


لم يكتفي فقراء باريس بتلك القرارات الاقتصادية العبقرية, بل ومنعوا كل اشكال الربا تماما وأغلقوا كل محلات الرهونات التي كانت تمص دماء الفقراء, كما كفلت الكوميونة الحق في السكن المجاني وألغت كل اشكال الايجار العقاري, وكفلت للعمال والصناع الحق في امتلاك ادواتهم ومصانعهم.


وموقف عمال باريس الثوري اقتصاديا لا يختلف كثيرا عن موقفهم من الدين, ففي وسط كل السلطة التي كانت للكنيسة آنذاك, اعتبر السكان الدين شيئا شخصيا تماما, واعتبر كل ما يخص الدين هو في نطاق الضمير الفردي الذي لا يمكن استباحته أو فرضه على الكبار أو الصغار, ولذلك فقد منعوا كل الشعارات والرموز الدينية من المدارس, وأصدروا قانونا يجرد الكنيسة من أي سلطة, وحولوا ممتلكاتها إلى ملكيات عامة.


أما المرأة فقد أصدرت بنفسها قرارات تساوي بينها وبين الذكر تماما من حيث الأجر وحق الطلاق وحق الزواج المدني والتعليم المهني, بالإضافة إلى أنهن ألغين الدعارة والتمييز ضد العشيقات والاطفال الغير شرعيين.


وفي ٦ ابريل 1871 اخرجت الكوميونة مقصلة الثورة الفرنسية الكبرى من مكانها وأحرقوها في العلن كرفض منهم لكل اشكال القتل والتدمير والقمع والاضطهاد.



(3)

مريد البرغوثي شاعر فلسطيني مناضل, كان يحب شابة مصرية, ولأن اسمها رضوى عاشور فقد كتب لها قصيدة يقول فيها:
رضوى

يا ذات الوجه المنذور لأرض الدلتا
ولحب فلسطينى متعب
`فلنرفع أيدينا فى وجه الشمس الوحشية
ولنقرع أسماء العالم:
موعدنا العام القادم!
سميتك أول مقتول خلف متاريس الكوميونة
سميتك أول مولود فى مصر الحرة
سميتك أول فلاح ينضم لعز الدين القسام

وعندما يسمي مريد البرغوثي رضوى باسم أول مقتول خلف متاريس الكوميونة فمن المؤكد أنه كان يحبها بشدة, فأول مقتول خلف متاريس الكوميونة رجل عظيم, والكوميونة نفسها تجربة عظيمة, بل ربما هي أعظم تجربة بشرية في التاريخ .. على الإطلاق.



(4)

لو كنت مارا ذات يوم بجوار حائط مرسوم عليه جرافيتي فبالتأكيد أنت تشاهد تطبيقا لأحد الفنون التي ابتكرتها المجموعات الأناركية للمقاومة والاعتراض في كل العالم.

والأناركيين (وهم بالمناسبة أنفسهم من قاموا بكوميونة باريس!) متوغلين في كل أنواع الفنون, كل أنوع الموسيقى بدءا من الكلاسيكيات حتى ال(Heavy Metal), والعديد من الأفلام العظيمة في السينما والكثير من المسرحيات وخصوصا المدارس التابعة لمسرح الشارع.

يتبع الأناركيون مجموعات الانونيمس, ومجموعات احتلوا وول استريت, ومجموعات رفض التجنيد الاجباري في اسرائيل, ومجموعات السلام العالمي, ومجموعات الخضر.

وربما لو وقفت في بلكونة منزلكم بعد ان تقرأ هذا المقال الآن, قد تجد مجموعة من الشباب يسيرون في الشارع طارقين بملاعق طعام على اواني طعام معدنية فارغة. بالتأكيد هؤلاء الشباب يعانون من الجوع والفقر ككل الناس العاديين, وبالتاكيد أيضا انهم مجموعة ضوضاء العالم الأناركية, والتي تقوم بمظاهرة لها في كل انحاء العالم, واليوم السبت هو اليوم المحدد لمظاهرتها في مصر!

أنا والمرأة وميرهان



(1)

"أنا أدعم انتفاضة المراة في الشرق الأوسط .. لأني بحب ميرهان"
كان هذا هو السبب الذي وجدته منطقيا في مواجهة أسباب أخرى كثيرة وضعها أصحابها على صفحة انتفاضة المرأة في الشرق الأوسط والتي كانت قد بدأت حملة جماهيرية تشترط على المشاركين فيها تصوير أنفسهم بجوار أسبابهم في دعم انتفاضة المرأة الشرق أوسطية.

تراوحت أراء المشاركين في حملة الدعم, فكتب أحدهم: "لأن الرجال ليسوا قوامون على النساء", وكتب آخر: "لأنو المرأة منا بنصف عقل .. ولأن عقلها بيوزن بلد", وصورة لرجل آخر يؤمن بأن: "حياة المرأة أهم من شرف اسرتها". وقالت أخرى من الجزائر بأن: "لأنها حاربت مع الرجل جنبا إلى جنب وحين استقلينا منعها من النزول إلى الشارع بعد الثامنة مساء".


(2)

أنا وميرهان أحببنا مشاركة بعضنا في تفاصيل الحياة الصغيرة, فتزوجنا. وفرض عليّ ذلك مشاركتها في مشكلاتها مع المجتمع كأنثى. والغوص في تفاصيل كارثية لحياة الأنثى في مجتمع منغلق منافق مثل المجتمع المصري ربما تكون قضية التحرش هي أهونها. فمنذ ولادة الأنثى واسرتها وبيئتها المحيطة تترك ندبات عميقة على نفسيتها وشخصيتها وتفكيرها لا يمكن أبدا إزالتها. بدءا من الحجاب المصطنع مرورا بالختان القسري والتعليم الفاسد المبتور وترويج الفتيات أنفسهن لأدوات قمعهن وتمييزهن بادعاء العفة وسوق العمل الذي يعتبر الأنثى "نصف قوة عمل رجل" وصولا للزواج حيث قال لنا المآذون حينما طلبنا أن يكون لكلانا الحق في انهاء العقد: هذا غير شرعي!.

ربما يرى كثيرون أن المرأة على العكس لها من الحقوق ما يجاوز حقوق الرجل, وهؤلاء "الكثيرون" لا يختلفون كثيرا عن "كثيرون" آخرون يرون مثلا أن المسيحيين في مصر يتمتعون بحقوق أكثر بكثير من أي مسلم. واعتقد ان الحل الفعال لهؤلاء هو نصحهم بأن يخوضوا تجربة ارتداء "طرحة وميكياج" على سبيل التنكر, والنزول للشارع وخوض التجربة اليومية للمرأة في احدى الأوتوبيسات العامة. وبالتأكيد سيكون الرفض المتقزز من الفكرة هو أقوى دليل على مدى عنصرية هؤلاء "الكثيرون" المغالطون!


(3)

أنا مؤمن تماما بأن تحرر المرأة الكامل والحقيقي من الاستغلال مرتبط شرطيا بتحرر المجتمع ككل من كافة أنواع الاستغلال الرأسمالي والديني. وتحرره أيضا من كل المبررات العقائدية والعاداتية لاعتبار المرأة مجرد مفعول به أو قوة عمل مباعة.

لكني في الوقت نفسه أرى أنه من المهم جدا تنظيم المرأة لنفسها ولصفوفها لانتزاع حريتها وحقوقها. مما سيؤدي بالضرورة لتعزيز التناقضات الاجتماعية بل والطبقية وابرازها وكشف حقيقة مدعي الحفاظ على حقوق المرأة باسم الحفاظ عليها. من المهم أيضا تطوير خطاب حرية المرأة ليتناول حقها في العيش الكريم جبنا إلى جنب مع حقها في قيادة السيارة, بما سيجعل مطالب حرية المرأة أكثر ارتباطا بتفاصيل المعاناة اليومية لمرأة الطبقة المتوسطة والفقيرة. كما انه من المهم طرح الأسر التي تعولها امرأة حصريا كشريحة تستحق دعم خاص من الدولة. وفي اعتقادي أن تحرر المرأة يبدأ بتضافر حقوقها الاجتماعية (تعليم وعمل كمثال) مع حقوقها الشخصية (تجريم الختان وزواج القصر كمثال).

ذات مرة قرأت قصة عليها تعليقات شديدة الحماس بجمالها وقوتها تتلخص في تشبيه المرأة بالؤلؤة الغالية المحفوظة في علبة حمراء جميلة تقيها أتربة الشوارع والحياة. بما يبرر "حبس" المرأة وتقليص مجال حريتها وتحركها من أجل الحفاظ عليها. استنكرت في البداية تشبيه المرأة بمجرد لؤلؤة "حتة حصوة", لكن زادت دهشتي من ذلك المنطق كثيرا حينما علمت أن 33% من الأسر المصرية يعولها حصريا امرأة, بدون علبة حمراء تقيها اتربة الشارع!

ولذلك فبمنتهى البرجماتيه والنفعية ربما فإني متحيز لحقوق المرأة من منطلق كرهي الرهيب لرؤية ميرهان مضطهدة من مديرها في العمل لأنها أنثى, أو لرؤيتها باكية من تحرش أحد الحيوانات بها بعد صلاة العيد, أو لرؤيتها منكسرة تحت وطأة احساسها بحتمية تواكلها واعتمادها على الذكر المتمثل في شخصي, أو لرؤيتها مذعورة وهي تتذكر السلطة التي منحها القانون حصريا لي في علاقتنا المشتركة ..
اعتقد ان الصواب لم يجانبني كثيرا حينما بررت ايماني بقضية المرأة بحبي لميرهان.