أنت تستمتع براديو مدينة البط

أنت تستمتع براديو مدينة البط

الثلاثاء، نوفمبر 27

سلك أسود...مبروم


سلك أسود...مبروم
قفزت فوق السور الحديدي....جلست...وجهها للنيل اللأسود...فكت ربطة الإيشارب الأسود...عدلتها...أعادت ربطها بعقدة خلف رقبتها...تاركة طرفها متدلٍ وراء ظهرها....وبطرف كمها المتسخ...مسحت جبهتها السمراء...وخديها الغائرين...آلمتها حروق الشمس والخدوش...فتحت كيس نقودها القماشي...سكبت مافيه على حجرها..."الله واحد... مالوش تاني...تلاته... أربعه....وربع..ونص..وخمسه وسبعين ..خمسه وتمانين..وشلن.. وبريزه...خمسه جنيه"
* * *
"مناديل يا أبله...مناديل يا أستاذ...ربنا يخلليلك عيالك يا رب..."

تقبل النصف جنيه...تلامسه بجبهتها السمراء...كأنها تتأكد من وجوده...وفي كيسها القماشي...تلفه بحرص.".مناديل ...مناديل"
* * *
مرجحت قدميها المتدليتان من السور الحديدي...اصطدمت إحداهما بالأخرى...وسقط الشبشب ذو الإصبع علي شاطئ النيل...هبطت على القدم الأخرى...تقافزت حتى وصلت إليه...احكمت احتضان لسانه بين إصبعي قدمها المتشققه..وبقفزة...عادت لمكانها...
* * *
مدت يدها من شباك السيارة الزجاجي..."مناديل يا آنسة...مناديل ياأستاذ...ربنا يخليلك اللي تحبهم يا رب..."

مناديل لآنسة ملونة...مناديل لأستاذ مسرع بحقيبة سوداء ...مناديل لشاب مفرود الصدر...مناديل لإمرأة يبكي طفلها على صدرها ..."مناديل"...ويزداد بكاء الطفل...
* * *
تصاعد البخار من القدر الضخمة...ومن خلفه كأن العالم يهتز...داعب دفء البخار أنفها المتورمة...لامست ذكرى الماء الساخن أصابعا المتسخة...ومن وراء الدفء ماء لذيذ...وراءه حمص منتفخ...تأكله بدون تقشير...وتذكرت السلك الأسود...
* * *
"سيبي الركاب في حالهم يابت"..."مناديل يا باشا ربنا ينفخ في صورتك"...مشي يا بنت ال...من هنا"..."مناديل يا حاجه ربنا يكرمك بولادك".مناد..."قطع صوتها صوت إغلاق العربة..."مناديل..."...وتسير العربة...
* * *
طرقع شبشبها بنزولها من على السور الحديدي...اقتربت من بائع الحلبسة...تذكرت السلك الأسود...حامت حول الرجل...ارتفعت يد معلمها بالسلك الأسود...لمحها الرجل...تذبذبت مقلتيها بين الرجل...والبخار ...والسلك الأسود...

ممكن يا حاج شوية حلبسه الله يكرمك ...؟" ...نظر إليها البائع...أمسك المغرفة...فتح باب القدر...وتصاعد البخار...نظر إليها بتشكك...بيد مرتعشة أخرجت النصف جنيه من كيس القماش...غاصت المغرفة في القدر ...وخرجت...محملة بالبخار...وماء...وحمص منتفخ...
قفزت إلى مكانها على السور الحديدي...تدلت قدماها وتمرجحت...احتضنت الكيس بكلتا يديها...ناسية السلك الأسود...سلك أسود مبروم...


إنسان

ليست هناك تعليقات: