"إلى جبهة النٌصرة وأشباهها: نحن اللي قلنا خاين اللي يقتل شعبه يكون مين كاين .. بستان القصر 5/10/2012"
استوقفتني كثيرا هذه الكلمات التي كتبتها على لافته بخط اليد سيدة شاركت في مظاهرات الثوار بمدينة حلب .. فوراء تعبير "خاين اللي يقتل شعبه" قصة لا بد أن تُحكى.
يوم 22 فبراير 2011 اعتصم مجموعة من المثقفين والنشطاء السوريين أمام السفارة الليبية بدمشق دعما منهم للثورة في ليبيا, وأطلقوا لأول مرة شعارهم الشهير "خاين اللي بيقتل شعبه", والذي صار هو و شعار" الشعب السوري ما بينذل" أهم شعارات الثورة السورية على الإطلاق.
وحدث أن اتفق هؤلاء المعتصمون على تدشين دعوات على الفيسبوك لـ«يوم غضب سوريٍّ» في أنحاء البلاد يوم الثلاثاء 15 مارس, والذي قوبل بعنف وقتل جعل هذا اليوم غُرّة أيام الثورة السورية.
وفي 31 مارس خرج بشار الأسد على الشعب بكلمة مهترئة عن اصلاحات سياسية ووعود وتذكير بموقف النظام السوري "الممانع" ضد اسرائيل في اتهام ضمني لكل من يهاجم النظام السوري بأنه (خاين) للقضية العربية والوطنية, في الوقت الذي فض الجيش السوري وشبيحة النظام بقوة الرصاص الحي كل التظاهرات التي خرجت تطالب بالخبز والحرية. مما جعل الشعب السوري ينتفض في وجه الطاغية رافعا شعار "خاين اللي يقتل شعبه" كتعبير ضميري يرد تهمة الخيانة لصدر بشار الأسد, واصما كل أصحاب إرادة الموت بالخيانة.
(2)
بعد تطور الاوضاع في سورية ولجوء الثوار السوريين للتسلح في مواجه جيش الأسد النظامي المسلح, دخل إلى الحدود السورية عشرات الأفراد من الجماعات الجهادية المسلحة في كل انحاء العالم. والتي استغلها نظام بشار الفاسد ليصم الثورة السورية بالارهاب واللا اخلاقيه.
وقامت جماعة اسلامية مسلحة أطلقت على نفسها لقب "جبهة نُصرة الإسلام" بعمليات انتحارية وتفجيرات استهدفت شوارع ومباني في قلب المدن السورية التابعة لسيطرة جيش الأسد دون أي محاولة لاستهداف بؤر نوعية أو استراتيجية في الجيش السوري, مما أدى لوقوع الكثير من المواطنين السوريين المدنيين قتلى نتيجة لهذه العمليات.
وكان ذلك حافزا قويا للجيش السوري الحر لكي يصدر بيان في 10 سبتمبر الماضي يتبرأ فيه من المقاتلين الأجانب ويطالبهم بالمغادرة فورا باعتبارهم مرتزقة تنطبق عليهم الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة التي أصدرتها الامم المتحدة عام 1989. بالإضافة للضغط المستمر للنشطاء الشبان مستخدمين شعار "خاين اللي بيقتل شعبه" لمواجهة وتصحيح مسار الجيش السوري واجباره على اعادة ترتيب أوراقه بما لا يخالف ضمير الثورة السورية.
(3)
شعار "خاين اللي بيقتل شعبه" الذي استخدمه الشعب السوري تارة في وجه بشار الأسد ال1ي يقتل الثوار وتارة أخرى في وجه الجماعات الاسلامية الجهادية التي تقف مع الثوار لكنها لا تفرق بين مواطن برئ وجندي مُعادي يستحق التوقف أمامه كثيرا.
فالشعب السوري يريد الحياة, يريد حياة كريمة بلا فقر أو جوع أو دماء. ومقاومة الشعب السوري ليست مقاومة هدم أو انتقام أو موت, وإنما مقاومة الراغب في الحياة.
الشعب السوري لا يعادي نظام بشار الأسد لمجرد "موضة الربيع العربي", ولا يعادي أيضا الجماعات الجهادية لمجرد "التبرء" من أسلمة الثورة السورية, الشعب السوري في شعاره الذي رفعه "خاين اللي يقتل شعبه" وضع لنفسه معيارا ضميريا شديد النقاء والأهمية, هو يعادي فقط من تصالح مع الموت ووقف في وجه إرادته في الحياة.
ليس لدي شك الآن في مدى تمسك السورييون بالحياة, ورفضهم للتصالح مع الموت أو اعتباره (عمل براجماتي) يخدم أهداف الثورة بغض النظر عن نوع الدماء التي تنزف, الثورة السورية هي ثورة ضمير بحق, والموت في سورية ليس إلا الشرنقة الجافة التي ستخرج منها الحياة, حياة شعب قاتل بضمير ونقاء من أجل الحرية والكرامة والعدل, فاستحقهم.
وكما كتب أحد الثوار على لافته أخرى, ولكن هذه المرة في مدينة بنش:
"محكمة الثورة لا ولن تستثني أحدا, لا النظام ولا المعارضة, ولن نترككم تسرحون بأخطائكم."
الخيانة باللهجة السورية تعني خيانة إرادة الحياة, أو التحالف مع الموت, أيا كان زي هذا الموت.
د. أحمد الغيطي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق