طالما انت تقرأ مقالي الآن فبالتأكيد عندك جهاز كمبيوتر سواء كان ديسكتوب او لاب توب, وبالطبع عندك وصلة انترنت سواء كابل او مودم تدخل خلاله على الفيسبوك ومنه للمقال, وبالتالي فانت تنتمي للطبقة المتوسطة في المجتمع!
ربما لو شعرت في أي وقت بضعف نظرك ستتجه لعيادة طبيب عيون يقيس نظرك, و لو شعرت بألم في بطنك ستتناول مطهر معوي تذهب بعده لطبيب باطني يعطيك العلاج المناسب, لكن المؤكد مهما كان لن تذهب لمستشفى عام إلا لو كانت حالتك تخص الطوارئ (مضطرا).
عندما كنت في دولة الإمارات لم يكن مطروحا أن يذهب مريض لعيادة طبيب خاصة, أي مريض أيا كان مستواه المادي لا يتوجه إلا للمستشفى, وفي المستشفى كل التخصصات الطبية, بعدد كافي من العيادات وطاقة علاجية تستوعب عدد سكان المنطقة , ولو انت لم تذهب للإمارات فبالتأكيد شاهدت مسلسل ""House أو مسلسلER" " الأمريكيين, أو حتى مسلسل "لحظات حرجة" المصري, وممكن تستنج من خلالهم ان الطبيعي لأي مريض هو ذهابه للعلاج في المستشفى, لكن الغير طبيعي هو ذهابه لطبيب في عيادة خاصة.
الدول المتخلفة ( تعتبر مصر من أولهم لان نسبة الصحة في الميزانية 4%) فقط هي اللي ينمو فيها أخطبوط العيادات الخاصة, ويرجع ذلك لفشل الدولة في بناء مستشفيات عامة حقيقية تستوعب الطاقة المرضية لأهل القرية أو المدينة, ولاننا قمنا بثورة, فبالتأكيد كانت أهم مطالبنا رعاية صحية حقيقية لا يضطر فيها المواطن لدفع كشف يتجاوز المائة جنيه ليتعالج.
لا جدال في أن المنظومة الصحية الحكومية في مصر هي أكبر "اشتغالة" في الكون, الطبيب يمثل على المريض انه يعالجه (بيمثل لان مفيش امكانيات طبية حقيقية تساعده) والمريض يمثل تلقيه للعلاج (لانه ماعهوش فلوس يتعالج من غير تمثيل) وبالتالي فساد المنظومة الصحية يسمح لطبيب بلا ضمير استغلال المريض بارساله لعيادته الخاصة كي يتلقى الحد المناسب من الرعاية الحقيقية وفي الوقت نفسه يتلقى فيها الطبيب الحد المناسب من "لقمة العيش" (لانه هو كمان الوزراة بتمثل عليه انه بيقبض مرتب)!.
دائرة فارغة من التمثيل تشبه كثيرا مشهد اسماعيل ياسين في فيلم "دهب" وهو يأكل بشراهة من طبق فارغ.
تلك الدائرة المظلمة هي التي جعلت مجموعة شريفة من الاطباء (أغلبهم بالمعنى الأصح) يقررون القيام باضراب مفتوح جزئي للضغط على وزارة الصحة ورئاسة الوزراء من اجل زيادة ميزانية الصحة إلى 15%. رافعين شعار رعاية صحية محترمة يقدمها طبيب محترم لمريض محترم.
وفي الحقيقة أن أي شخص يمتلك بعض المعلومات عن الوضع الصحي في مصر سيعلم بالضرورة ان اضراب الاطباء لا يمثل أي ضرر حقيقي للمواطن العادي (فهو في الأصل لا يتلقى خدمة حقيقة). وأنا كطبيب عندي لكم مفاجاة .. إقامة منشأة طبية تقدم حد معقول من الرعاية الأساسية بل والخاصة تربح في ظل حد أقصى من ثمن كشف لا يتجاوز ال 15 جنيه وخصوصا في ظل معدل عالي من الحالات المرضية. وهذا بالضبط ماكان يعلمه الاخوان والسلفيين, فقاموا بإنشاء مستوصفات تُسمى خيرية ولكنها في الحقيقة تربح أرباحا معقولة وفي نفس الوقت تربط المواطن بوجوب رد ذلك المعروف والجميل لتلك التنظيمات عند أول انتخابات. فيصب ذلك في مصلحة تنظيمهم على المستويين المادي والسياسي. لنجد بعد ذلك لافتة ضخمة كُتب عليها (حزب الحرية والعدالة يعالج المواطنين بكشوفات رمزية!)
بالتدقيق في احوال المنظومة الطبية قليلا نجد انه فى حال قيام اصلاح حقيقي بمصر, لن تعمل عيادات الأطباء الخاصة, ومافيا المستوصفات الخيرية لن تجد من تضلله بلقب "الخيرية", وربما يتضح مدى تأثير ذلك لو شرحت لك كيف مرّ علي كطبيب مستوصفات خيرية خالية تماما من المرضى والسبب الرئيسي في ذلك هو وجود مستشفى تكامل محترم في هذه المنطقة, وربنا يقول لك مدير المستوصف (الله يرحم زمان كان المستوصف بيشغي حالات).
الاخوان سواء أطباء أو غير أطباء ضد أي اصلاح حقيقي للمنظومة الصحية في مصر, فهجوم الاخوان المسلمين على الأطباء المؤيدين للاضراب في الجمعية العمومية وصل من الشراسة واللامهنية إلى حد ضرب أحد الأطباء الاخوان لزميل له انتقد موقفهم وأيد الاضراب. ولن أصدع رأسك بعدد الاطباء المضربين الذين تم الاعتداء عليهم بالضرب أو الاهانة أو الكذب ولا بعدد الاطباء الاخوان الذين قاموا بمحاولات مستميتة لكسر الإضراب الذي أقره عموم الاطباء في جمعيتهم العمومية.
الاخوان ضد اي فعل حقيقي من الاطباء يعاكس مصالحهم في بقاء المنظومة الصحية على فسادها الحالي, وضد اي فعل من الاطباء يحرج مرسي احراجا حقيقي ويضعه امام أحد أكبر واجباته الأهم كرئيس منتخب .. ألا وهو اصلاح المنظومة الصحية.
في الحقيقة مرسي الذي رفع مرتبات الضباط وامناء الشرطة والخفراء 300% بما كلف ميزانية الدولة أمولا طائلة, يستطيع بجرة قلم أن يقتص القليل جدا من الأموال التي يدفعها لرشوة القيادات الفاسدة في مؤسسات الدولة لكي يتكتموا على فساد الاخوان المماثل (لم تتغير قيادة واحدة من قيادات الصف الأول في وزارة الصحة بعد الثورة), أو حتى تلك الأموال التي تتحملها ميزانية الدولة لتأمين صلواته من سيارات أمن مركزي وقنابل غاز مسيل يتعدى ثمن القنبلة الواحدة منهم مرتب طبيب تكليف!
في الحقيقة أي تقصير من النظام في حق الصحة لا يدفع ثمنه إلا المواطن نفسه, في الحقيقة أيضا أن أي دعايا انتخابية يقوم بها الحزب الحاكم قد سلبها مقدما بمافيا مستوصفاته من صحتك أنت ومن الرعاية الصحية التي من حقك أنت, في الحقيقة أيضا أن أي مماطلة من الرئيس والحكومة في قضية رفع ميزانية الصحة على حساب تأمين صلاة الرئيس هي خيانة حقيقية أبعد ما يكون عن كونها تقوى لله!
الاخوان لازالوا يقفون في وجه صحة المواطن وبالتالي حياته, وممارسات الاخوان تتعارض شرطيا مع اي اصلاح حقيقي يقي المواطن من المرض ويكفل له علاجا حقيقيا.
باختصار .. احذروا, فـ"الاخوان" ضارة جدا بالصحة .. وتسبب الوفاة.
د.أحمد الغيطي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق