أنت تستمتع براديو مدينة البط

أنت تستمتع براديو مدينة البط

الخميس، نوفمبر 8

حتى على الدُخّان !


أزمة دخول الحمام
"شمس الفخاخري", "كريم" وأنا, في زنزانة مظلمة متر في متر ونصف, (متكلبشين خلفي) طوال الوقت, والكلابش الخلفي لمن لم يجربه يمنعك من القيام بأقل الأفعال الإنسانية بيديك, ان تاكل أو حتى تفتح سوستة البنطلون (علشان تعمل زي الناس).

2 أبريل 2009 اعتقلونا 9 شباب وبنتين, بالإضافة لسارة وأمنية اللتان اعتُقِلوا قبلها بيومان. اعتقلونا في كفر الشيخ كمحاولة منهم لإجهاض دعوتنا لإضراب عام ثاني في 6 ابريل 2009.

"شمس" كان أكترنا خبرة بالمعتقلات, بالنسبالي كانت المرة الثانية, بالنسبة لشمس كان (مرة من المرات), بعد أذان المغرب كان اليوم قد مر بلا أكل أو شرب أو حتى دخول الحمام, كلابش خلفي إلى مالانهاية, نفتح سوستة البنطلون لبعضنا البعض و(نعمل حمام) في شق غائر في الحيط, لم نقلق بتسرب الماء (البول) لأرضية الزنزانة, ففي كل الأحوال الزنزانة لا تكفي ثلاثتنا إلا وقوفا.

في السجن عرفت أن الدخان يصلح (للشعلقه) عليه والخروج من بين الـ(قضبان على شباك) حيث النور والحرية.

وغنى ليا "شمس" بصوته المبحوح من الهتاف :
زنزانتى لو أضيق
انا من ورا السجان
فى العتمة بتشعلق
حتى على الدخان
وأغنى بدموعى لضحكة الاوطان




ولا تفهم المساجين ..
خرجنا من السجن, ونسيت الكثير من تفاصيله, ولم أحتفظ إلا بذكرى الأغنية الحزينة بصوت "شمس" المبحوح, بحثت على الإنترنت بما تذكرته من كلماتها, وجدتها باسم (محبوس يا طير الحق) ! وكانت صدمة, فأنا أعرف تلك الإغنية جيدا, كان نسياني لها ناتج من قوة احساسي بها في السجن ربما. (محبوس يا طير الحق) كنا قد نشرناها في كل مكان عام 2008, في المدونات والمنتديات وعلى الفيسبوك, بعد أن صدرت أحكام عسكرية ضد "خيرت الشاطر" وزملاءه في حملة تضامنيه معهم وقف فيها الشيوعي قبل الاخواني يهتف بحريتهم وباسقاط مبارك.

أحَب الإخوان أغنية (محبوس يا طير الحق) والتي ظهرت لأول مرة في مسلسل "النديم" بصوت "علي الحجار" ليغنيها "عمّار الشريعي" فيما بعد في فيلم (البرئ) بصوته مع الكورال دون موسيقى.

هي الأغنية النموذجية بالنسبة لهم, تجسد الأغنية مشاعر الضحية المحبوس المؤمن بالحق, كما تخلو من آلات غنائية, فقط ضربات "عمار الشريعي" على جدران الأستوديو الخشبية يعطي الأغنية بعض البُعد الإيقاعي.

يقول الأبنودي بصوت عمار الشريعي:
محبوس ياطير الحق
قفصك حزين ولعين
قضبانه لا بتنطق
ولا تفهم المساجين

جسد احمد زكي ببراعة بطولة فيلم البرئ, وشاركه محمود عبد العزيز في البطولة في دور الضابط السادي (توفيق شركس) الذي يعذب المعتقلين بلا رحمة, والطيب والرقيق خارج اسوار السجن!. وفكرة ازدواجية شخصية ضباط التعذيب خصوصا كتب عنها فيما بعد علاء الأسواني في مقاله (حوار مع ضابط امن دولة) والتي للصدفة البحتة كتبها يوم 7 ابريل 2009 تعليقا على حادثة اعتقالنا بالأعلى! لكن علاء الأسواني عندما طرح تلك الفكرة لم يكن أول أديب تناولها, ففي عام 1978 وعلى خشبة المسرح القومي (التي احترقت فيما بعد) قام عزت العلايلي وفرقته بتمثيل مسرحية حملت اسم (دماء على ملابس السهرة) تناول فيها نفس الفكرة, ازدواجية ضابط التعذيب. وفي الحقيقة انها كانت مترجمة عن مسرحية (القصة المزدوجة للدكتور بالمي) والتي ابدعها الكاتب الأسباني العبقري أنطونيو بويرو باييخو.

يحب الإخوان أغنية أخرى في فيلم البرئ, أغنية (قبضتي) تقريبا لنفس الأسباب الخاصة بعدم وجود آلات موسيقية, لكن يظل التفضيل دائما لـ(محبوس يا طير لحق) ربما لما في (قبضتي) من تحفز وثورية في مقابل إحساس الضحية الذي تشبعه (محبوس يا طير الحق).




يا حاكمنا من عابدين !
وإذا لم تكن قد سمعت من قبل أغنية (قبضتي) فذلك لأنها تقع في نهاية الفيلم التي كانت تُحذف في كل مرة يُعرض فيها الفيلم بأمر من النظام بسبب مشهد قتل (أحمد سبع الليل) للضباط, وفي ابريل 2005 عُرض الفيلم كاملا بأغنية النهاية خلال مهرجان السينما القومي تكريماً للفنان الراحل أحمد زكي.

تقول (قبضتي) في مقطعها الأخير:
يا قلوب بتنزف دم في العتمة
يا قلوب بتنزف دم و تغني
سجنوا و بيسجنوا الكلمة
و الكلمة غصب عنها و عني
طلعت من القضبان و من الأسوار

أخرج الفيلم عاطف الطيب, وكتب قصته وحيد حامد من وحي اعتقاله خلال أحداث 17و18 يناير 1977, والتي خرجت فيها جماهير الشعب المصري ثائرة على قرارات الحكومة برفع الأسعار كشرط من البنك الدولي لضخ قروض لمصر (تمهيدا لتطبيق سياسات صنوق النقد الدولي والبنك الدولي)!. رافعة هتافها الشهير:
(يا حاكمنا من عابدين
باسم الحق و باسم الدين
فين الحق و فين الدين؟!)

وبعد 35 عام تدور الحكاية, ويحاول خيرت الشاطر نفسه أن يمرر الآن من خلال حكومة هشام قنديل قرضا جديدا للبنك الدولي ويمهد له بتصريحات عن رفع الدعم, ويلجأ مرسي لإعلان نيته في اقتراض 200 مليون دولار من البنك الدولي, في الوقت الذي اقترضت مصر فيه 630 مليون دولار في العام الماضي بعد الثورة!

... فين الحق .. وفين الدين؟!


د.أحمد الغيطي


ليست هناك تعليقات: